إن الاهتمام الحالي بحقوق المرأة – كفكرة ومبدأ- بات يمثل قيمة مستهدفة لواقع المرأة في العالم العربي، حيث أصبح تقييم سلوك الدول بمدى احترامها لحقوق المرأة على المستويين الداخلي والخارجي من الأمور الشائعة ، بل أصبح تقييم النظم الاجتماعية والاقتصادية ذاتها يخضع لما تحققه تلك النظم والقوانين لمواطنيها من حقوق وحريات في إطار العدالة الاجتماعية والمساواة.
ولمعالجة هذا التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ الذي أصبحت بفضله مسألة حقوق المرأة، متداول بها عالمياً، عبر اتفاقيات ومؤتمرات دولية، وتظاهرات عالمية ووطنية؛ ما يستدعي منا الرجوع إلى القوانين والتشريعات والسياسات المتبعة محلياً،مع تلك التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية؛ وذلك حتى نتمكن من دراسة مراحل تطور الاهتمام بحقوق المرأة، للوصول إلى مجتمع مثالي تسوده قوانين من منظور متساوي للجنسين، لذا سيتم التركيز في هذه الورقة على واقع المرأة الفلسطينية والسياسات والقوانين التي تم تبنيها لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
* الجهود التي بذلتها المرأة الفلسطينية من أجل قانون تقدمي وعصري.
شاركت المرأة الفلسطينية بفعالية في مراحل النضال المختلفة؛ الأمر الذي أسهم في خلق مناخ سياسي اجتماعي غير رافض للمشاركة السياسية للمرأة، واستناداً إلى النضال المرير الذي خاضته نساء فلسطين ولا تزال تخوضه، وعلى قدم المساواة في العطاء والتضحيات الجسيمة مع الرجل، وكجزء لا يتجزأ من نضالات شعبنا العظيم وصموده البطولي في الوطن وخارجه بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، من أجل الدفاع عن الوطن.
واعترافاً بمساهمتها الحيوية في الوطن والمنافي في الحفاظ على تماسك المجتمع الفلسطيني؛ نتطلع اليوم ومعنا كل نساء فلسطين في كافة أماكن تواجدها، إلى تحمل المسؤولية جنباً إلى جنب مع الرجل كشريك مكافئ في مرحلة تحقيق الاستقلال وبناء الدولة المستقلة، والتنمية؛ لإرساء أسس المجتمع الفلسطيني الجديد على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.
فقبل قيام السلطة الفلسطينية، شكلت وثيقة الاستقلال التي أصدرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 في دورته التاسعة عشر في الجزائر - أساساً دستورياً مهماً، في إحقاق حقوق المرأة الفلسطينية، وجاء فيها نصا: "إن دولة فلسطين للفلسطينيين، أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية، وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي والرأي الآخر، وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية، لحقوق الأقلية..." كما تنص هذه الوثيقة على العدل الاجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو اللون أو الدين، أو بين المرأة والرجل في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل.
بالتدقيق في هذا النص، يتضح لنا أن هذه الوثيقة نصت على ضمان حقوق المرأة على قدم المساواة في ظل نظام ديمقراطي برلماني، تعددي، بالإضافة إلى تأكيدها على أن الناس أمام القانون سواء.
وبهذا نستطيع القول أن وثيقة الاستقلال رسمت اتجاهاً قانونياً يقوم على أساس إنصاف المرأة، انطلاقاً من شرعية حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
وقد وضعت المرأة الفلسطينية برنامج عمل لإبراز دورها الكامل في كافة الميادين من أجل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وإرساء أسس المجتمع الفلسطيني الجديد على قدم المساواة مع الرجل في الحقوق العامة والخاصة، وإن القيادة السياسية للشعب الفلسطيني مطالبة عبر أجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بترسيخ وحماية المبادئ التالية، والتي تضمن النهوض الإنساني والحضاري بشعبنا العظيم؛ وذلك انطلاقاً من أن القانون متغير، وأن للنساء دوراً أساسياً في التأثير على عملية تغيير القوانين، وسن قوانين جديدة تضمن المساواة وعدم التميز ضد المرأة.
وبهدف النهوض بأوضاع المرأة وتضمين قضاياها في السياسات والخطط والبرامج الوطنية، فقد تمّ تشكيل دوائر المرأة في الوزارات منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي نوفمبر 2003 تم تشكيل وزارة شؤون المرأة؛ لتكون مهمتها الأساسية تطويرالالتزام الحكومي تجاه قضايا المرأة، والنهوض بأوضاعها في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وجاء نهج هذه الوزارة، بوضع خطط ودراسات استراتيجية تضمن تحسين وإعادة تمكين المرأة في المجتمع الفلسطيني.
* الحقوق المشروعة للمرأة الفلسطينية في ظل التشريعات والقوانين السائدة:
ترى وزارة المرأة أن التقسيمات والأدوار النمطية لكل من الرجل والمرأة، التي تنعكس على واقع المرأة والرجل في المجالات السياسية والاقتصادية، وتسبب وجود فجوة بينهما، وأن التصورات والأفكار المتعلقة بنظرة المجتمع السلبية لكل منهما، ولأن كل ذلك من صنع المجتمع وثقافته وأفكاره السائدة، لذا يمكن تغييره تدريجياً بالتوعية الرشيدة والثقافة الايجابية.
وتأتي جهود وزارة شؤون المرأة لتدارك ذلك بوسائل وسياسات قانونية، تنطلق من مراجعة شمولية للواقع القانوني للمرأة في التشريعات والقوانين. وخلاصة الأمر، أن الفلسفة القانونية تسعى إلى مساواة عادلة بين الذكر والأنثى في القوانين والتشريعات، تجنباً للتميز والتقسيم.
ومن خلال المعايير والمواثيق الدولية حول حقوق الإنسان التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية بما في ذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، وكيف ضمنت هذه الاتفاقيات حقوق المرأة، نطرح أهم القوانين الفلسطينية التي لابد أن تلامس حقوق المرأة بشكل مباشر أو ضمني، ونبين من خلال هذه المحاور أهم مؤشرات التمييز الايجابي والسلبي ضد المرأة على النحو التالي:
أولاً: وثيقة الاستقلال الفلسطينية ونظرتها لحقوق المرأة الفلسطينية:
كانت البنية التشريعية الفلسطينية باتجاهها العام مهيأة لتضمين قضايا المرأة في إطار من المساواة وعدم التمييز في الحقوق بين المرأة والرجل، فقبل قيام السلطة الفلسطينية، شكلت وثيقة الاستقلال التي أصدرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 في دورته التاسعة عشر في الجزائر، أساساً دستورياً مهماً في إحقاق حقوق المرأة الفلسطينية، وجاء فيها نصاً: "أن دولة فلسطين للفلسطينيين، أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية، وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي والرأي الآخر، وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية لحقوق الأقلية...". كما تنص هذه الوثيقة على العدل الاجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو اللون أو الدين أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل.
بالتدقيق في هذا النص، يتضح لنا أن هذه الوثيقة نصت على ضمان حقوق المرأة على قدم المساواة في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي، بالإضافة إلى تأكيدها على أن الناس سواء أمام القانون، وبهذا نستطيع القول أن وثيقة الاستقلال رسمت اتجاهاً قانونياً يقوم على أساس إنصاف المرأة.
ثانياً:القانون الأساسي الفلسطيني ونظرة لحقوق المرأة الفلسطينية:
أصبح القانون الأساسي الفلسطيني سارياً بتاريخ (7/7/2002) وهو بمثابة الدستور الفلسطيني للمرحلة الانتقالية، وكما هو معروف؛ فإن الدستور كقانون أعلى في الدولة يقوم على تنظيم علاقة السلطات العامة مع بعضها البعض وصلاحياتها، ومنه تستمد الحقوق الأساسية والحريات العامة للأفراد، وبموجبه تتحدد طبيعة النظام الأساسي.
- المرأة ونظرة هذا القانون إليها:
لقد تناول هذا القانون حق المرأة بالمساواة والمشاركة المنصفة؛ فقد أتى بالنص على ذلك من خلال عدة نصوص، بما يؤكد التزام السلطة الفلسطينية بروحية مبادىء حقوق الإنسان، وهذا ما يمكن استخلاصه من المادة "10" والتي تنص على:
1- حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام.
2- تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون ايطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان ولا تتنافى مع الشريعة الإسلامية، وكاستنتاج، فالقانون ضمن عدم التميز على قاعدة إن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان في المحصلة.
أما المادة (6) فقد نصت على مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والمؤسسات والأشخاص.
فيما يتعلق بالمادة (26) أكدت أن للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسة أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية:
1- حق تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها وفقاً للقانون.
2- حق تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية وفقاً للقانون.
3- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون.
4- حق تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.
5- حق عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة وفي حدود القانون.
أما بخصوص حق المرأة في المشاركة وتولي مناصب رفيعة في السلك الدبلوماسي والهيئات الدولية، فقد أتت المادة (56) على ذلك بعمومية دون أي تخصيص للمرأة، وهنا يترك باب التميز الايجابي للمرأة للسلطة التنفيذية ورئيسها.
ثالثاً: مشاركة المرأة الفلسطينية في التمثيل لدى المجالس والهيئات المحلية حسب قانون انتخاب المجالس والهيئات المحلية رقم (5) لسنة 1996:
لم يتضمن القانون بشأن المجالس والهيئات المحلية أي تمييز ضد المرأة واشتراط الفلسطينية كجنسية ويمكن أخذ المادتين (9) و(24) كمؤشر عام منح القانون.
فالمادة (9) تقول: "أن يمارس حق الانتخاب بموجب هذا القانون كل من تتوفر فية الشروط التالية":
أ- أن يكون فلسطينياً بلغ الثامنة عشرة من عمر يوم الاقتراع.
ب- أن يكون مقيماً ضمن منطقة الهيئات المحلية التي أدرج فيها سجل الناخبين.
ج- أن لا يكون فاقداً لأهليته القانونية.
والمادة (24) وتشترط في المرشح مايلي:
1- بلوغ سن الثلاثين لمرشح الرئاسة، وسن الخامسة والعشرين لمرشح العضوية.
2- أن يكون اسمه مدرجاً في سجل الناخبين، وأن تتوفر فية شروط الناخب.
3- أن لا يكون محكوم عليه في جنحة مخلة بالشرف أو بجناية.
4- أن لا يكون موظفاً أو مستخدماً في وزارة الحكم المحلي أو أي جهاز من أجهزة الأمن العام أو مجلس الهيئة أو محامياً له، إلا إذا قدم استقالته مرفقاً بطلب الترشيح.
5- أن يكون مقيماً ضمن الهيئة المحلية المرشح لمجلسها، وأن لا يكون مرشح في دائرة أخرى.
6- أن يقدم شهادة بدفع جميع الرسوم والضرائب المستحقة علية لصالح المجلس.
إلا أن هذا قد عدل بعد تقديم اعتراضات عليه من المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني لضمان مقاعد المرأة في المجالس المحلية، فقد عدلت مواد هذا القانون لتخلق حالة التمييز الايجابي للمرأة بضمان مقعدين في كل مجلس للنساء، إلا أن هذا قد واجهه صعوبة أخرى، حيث ألزم القانون النساء المتقدمات للترشيح سواء للرئاسة أو العضوية عدم استكمال شروط قبولهن إلا إذا قدمن براءة ذمة تفيد خلو ذمة أقاربهن تجاه المجلس. وهذا بحد ذاته إجحاف بحق المرأة ومتجاوز وعليه كثير من التحفظات القانونية والإنسانية.
رابعاً: مشاركة المرأة الفلسطينية في الانتخابات العامة حسب قانون الانتخابات العامة رقم (13) لسنة 1995:
ينص قانون الانتخابات الذي تمت على أساسه الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1996 على مشاركة المرأة الفلسطينية في الترشيح والانتخاب دونما أدنى تمييز، ويمكن أن نبرز ذلك من خلال المواد التالية:
المادة "6" الواردة تحت حق الانتخاب، وتنص على أن: "الانتخابات حق لكل فلسطيني وفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف وقطاع غزة، ممن توفرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون لممارسة هذا الحق، وذلك بغض النظر عن الدين أو الرأي أو الانتماء السياسي أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية والعلمية".
ونصت المادة "7" على أهلية الانتخاب، حيث أشارت إلى شرط أن يكون الناخب فلسطيني الجنسية ويبلغ من العمر الثامنة عشر، من هنا يبرز إنه لا محظورات على مشاركة المرأة أو أهليتها في الانتخاب.
وعلى صعيد الترشيح لمركز الرئيس اشترط القانون في المادة التاسعة أن يكون من يتقدم لترشيح نفسه لمنصب رئيس السلطة، فلسطينياً بالغاً لسن الخامسة والثلاثين من العمر، وهنا أيضاً لا يوجد أي معيار للتمييز.
كما أن المادة "12" من القانون حددت شروط الترشيح لعضوية المجلس التشريعي من خلال النص على: "لكل شخص فلسطيني ذكراً كان أو أنثى أتم الثلاثين من عمره أو أكثر في اليوم المحدد لإجراء الاقتراع وكان اسمه مدرجاً في جدول الناخبين النهائي. وتوفرت فيه الشروط الواجب توفرها في الناخب، فله الحق في ترشيح نفسه لعضوية المجلس.
وعند الحديث عن الاستثناءات حسب نص المادة "14" من القانون التي تنص على استثناءات من لا حق له بالترشيح، نجد أنه لا يوجد ما يطال المرأة كامرأة، بل كمواطنة في حال كانت وزيرة، أو في سلك القضاء أو أجهزة الأمن، وهذا الإجراء هو نفسه ينطبق على الرجل كمواطن أيضاً.
وهذا الاستثناء هو قيد على هذه الفئات، حيث قيد القانون قبولهم للترشيح بتقديم استقالة من الوظائف التي يشغلوها.
بالمجمل لا يشير قانون الانتخابات رقم (13) إلى أي تمييز ضد المرأة أو المس بأهليتها القانونية وحقوق المواطنة، ولكنه بالمقابل لم يضمن أي تمييز ايجابي لصالح المرأة، أيضاً إذا ما اعتبرنا أن التمييز الايجابي للمرأة في القانون الانتخابي مسألة مهمة، لضمان حد أدنى من المشاركة والتمثيل في مرحلة معينة مراعاة من صناع القرار لوضعية المجتمع الانتقالية وما يستتبع ذلك من إجراءات قانونية.
إلا أن الوضعية القانونية قد تغيرت بعد إجراء تعديل على هذا القانون، حيث أصبحت مشاركة المرأة تتمثل في طبيعة النظام الانتخابي، فقد اعتمد المشرع النظام المختلط أي 50% قوائم و50% تمثيل نسبي، وقد أثار هذا النظام ضجة إعلامية كبيرة، وذلك كونة نظام مجحف ولا يضمن أدنى عدالة لصالح المرأة وللأحزاب الصغيرة، فعلى صعيد مشاركة المرأة ضمن لها القانون مشاركة في الانتخابات حسب نظام القوائم، حيث تكون امرأة ضمن الأسماء الثلاثة الأولى من القائمة، وتليها امرأة ثانية من بين الأسماء الأربعة التالية، وبعدها كل خمسة أسماء في القائمة يجب أن تتضمن امرأة، لكن هل هذا الوضع يخلق تمييزاً ايجابياً للمرأة؟، هذا يبقى مطروحاً للبحث والتساؤل ورهين بالتجربة.
خامساً: تجربة برلمانية (المرأة الفلسطينية وانتخابات المجلس التشريعي):
ليس الخوف من أن المشاركة بمعناها واتجاهاتها العامة اختلفت بعد قيام السلطة الوطنية عنها زمن الاحتلال الإسرائيلي، والمراحل الأخرى التي سبقت، ومعيار الحكم هنا في التغير، أي قدرة الشعب في التعبير الحر عن إرادته في التعبير والمساهمة الفاعلة في عملية البناء الوطني كتجسيد للمشاركة، ولكن مدى وعمق وشمولية هذه المشاركة سيتبين من خلال المعطيات التالية:
لقد شاركت المرأة في الانتخابات التي جرت في العام 1996 لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي ورئيس للسلطة الفلسطينية وتبين من ذلك ما يلي:
1- بلغت نسبة النساء المسجلات للانتخابات (49%) من إجمالي الناخبين المؤهلين للتسجيل، وكان في بعض الدوائر (رام الله، طولكرم، ووسط غزة) عدد النساء المسجلات أكثر من عدد الرجال.
2- خاضت (28) امرأة المعركة الانتخابية بواقع (14) امرأة في قطاع غزة و(14) امرأة في الضفة الغربية، أي شكلن نسبة 4% من مجموع المرشحين البالغ عددهم 672 مرشحاً ومرشحة، وحالف الحظ خمسة نساء فقط في الوصول إلى مقاعد المجلس التشريعي 88 مقعداً أي بنسبة تمثيل وصلت 5.6%.
من خلال تحليل نتائج الانتخابات، تبين أن هناك فارقاً بين نسبة التسجيل وهي 49% للنساء ونسبة الاقتراع التي وصلت إلى 42% أي أن نسبة 7% من النساء لم يمارسن حقهن في الانتخابات.
وعند البحث في أسباب التراجع، يتضح أن هناك نوعان من العوائق التي حالت دون مشاركة كاملة للنساء على أساس التسجيل، وهي عوائق تصنف على أنها خارجية، وعوائق أخرى تصنف على أنها داخلية أو قانونية.
سادساً: الحقوق التعليمية للمرأة الفلسطينية حسب قانون التعليم العالي رقم (11) لسنة 1998:
لقد شكل صدور قانون التعليم العالي في فلسطين خطوة مهمة نحو تطوير وتوسيع قاعدة التعليم العالي، لأنة يمثل مجالاً جديداً أمام الطلبة للالتحاق في الجامعات أو استكمال الدراسات العليا، كما توضح مسوحات دائرة الإحصاء المركزي الفلسطيني إن هناك علاقة مباشرة بين زيادة الجامعات والتخصصات الأكاديمية، وبين توسع مشاركة المرأة في مختلف الميادين، فهو يفتح أمامها فرصاً جيدة للالتحاق بالتعليم.
- إلزامية التعليم الأساسي حتى العاشر الأساسي:
إن إقرار إلزامية التعليم حتى الصف العاشر الأساسي ساهم في رفع نسبة الالتحاق في التعليم لكلا الجنسين وحد من ظاهرة التسرب وعدم الالتحاق بالتعليم في هذه المراحل. إن تأكيد القانون الأساسي الفلسطيني على إلزامية ومجانية التعليم يعني إعطاء دفعة جديدة للعملية التربوية والتعليمية في فلسطين، وبما يسهم جدياً في الحد من ظاهرة الأمية التي لا تزال مرتفعة بين الإناث.
سابعاً: الحقوق العمالية الخاصة بالمرأة الفلسطينية ونظرة قانون العمل الفلسطيني إليها:
لا شك أن اللا مساواة تبسط ظلالها على التشريعات العمالية، فهي تظل تمييزية لا تحمي المرأة العاملة بما يكفيها، من حيث: (إجازة الوضع، المنح العائلية، والتمييز في سن التقاعد والضمان الاجتماعي...).
وعلى صعيد التشريع الفلسطيني، حيث توسع قانون العمل الفلسطيني في سبل الحماية ليشمل عدداً كبيراً من العمال، بغض النظر عن عددهم، ورفع سقف التعويضات المالية التي يستحقها العامل عند نهاية الخدمة أو الفصل التعسفي، ولكن هذا القانون يتطلب إصدار لوائح تنفيذية مهمة، وأنظمة واضحة تتطرق إلى خدمة المنازل، والتدريب المهني، والحد الأدنى للأجور، وتشكيل لجنة الأجور والصحة والسلامة المهنية.
إلا أن قانون العمل الفلسطيني تعامل مع المرأة الفلسطينية على أساس مبدأ المساواة ما بينها وما بين الرجل مراعياً أوضاعها الخاصة، ويظهر أنه لا يوجد تمايز لقانون العمل الفلسطيني عن باقي القوانين العربية الأخرى، إلا إنه يعتبر متقدماً من حيث مبدأ عدم التمييز في ظروف وشروط العمل. ففي المادة (100) منه أكد على عدم جواز التمييز بين الرجل والمرأة، حيث نص: "وفقاً لأحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة يحظر التمييز بين الرجل والمرأة".
ثامناً: المرأة الفلسطينية في سوق العمل وفي مجال التعليم التقني والمهني:
تعاني المرأة الفلسطينية مثل باقي نساء العالم من تمييز واضح في مجال المشاركة في رسم السياسات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية، وهذا التمييز أدّى لهدر طاقات بشرية كاملة وضرورية في عملية البناء على الصعيدين المجتمعي والعالمي، خصوصاً أن السوق بحاجة إلى وجود امرأة فاعلة في مجال السوق وفي مجال التعليم التقني والمهني؛ تحقيقاً لدور كامل غير منقوص لدور المرأة في التنمية.
ويسترعي ذلك الوقوف عند قانون الاستثمار الفلسطيني رقم (1) لسنة 1998، حيث يأتي هذا القانون تلبية لحاجات التنمية الاقتصادية، واضعاً ضوابط ومعايير الاستثمار في فلسطين، وحيث أن النظام الاقتصادي المعمول به هو اقتصاد السوق الحر لجميع المستثمرين، الضمانة على رأس المال والأرباح، وإلى غير ذلك حسبما جاء في المادة (10) من نفس القانون.
إلا إنه -للأسف- لم يراع أو ينظم عمل أو دخول المرأة أو مشاركتها في هذه العملية، حيث همّش دورها ودخولها سوق العمل للاستثمار، من هذا المنطلق لا زال وضع المرأة الفلسطينية على هذه الأصعدة الثلاثة أي على صعيد سوق العمل والاستثمار والتعليم التقني والمهني ضعيفاً، ولا يشهد مشاركة نسائية فاعلة وذلك لعدة عوامل اجتماعية وقانونية واقتصادية، لابد من العمل على إزالة التمييز ضدها في هذه المجالات.
تاسعاً: الواقع التمييزي للمرأة الفلسطينية في قانون الأحوال الشخصية:
لم يصدر قانون فلسطيني للأحوال الشخصية، مما يعني استمرار العمل في قانون أحوال شخصية، مصري في قطاع غزة، وأردني في الضفة الغربية، وفي عام 1998 طرح إعداد مشروع قانون فلسطيني جديد للأحوال الشخصية، وثار جدل كبير حوله خصوصاً عندما شكل البرلمان الصوري، كآلية عمل ومبادرة جديدة من قبل الحركات والمراكز النسوية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، وكان رد فعل التيار المحافظ في الاتجاة الإسلامي حاداً تجاه المطالب النسائية، معتبرًأ إياها تعدياً على المرجعيات وأصحاب الاختصاص، لذا طوي المشروع ولم يستكمل النقاش فيه بعد، ويبدو إن المستجدات على الساحة الوطنية، ودخول الانتفاضة ساهم في إعاقة إقرار القانون، علماً بأن قوانين كثيرة صدرت خلال مرحلة الانتفاضة وهي أقل أهمية منه، مما يعني أن أسباباً واعتبارات لازالت تحكم المشروع أو السلطة التنفيذية ولا تبدو واضحة للناس.
عاشراً: الضمانات الوظيفية للمرأة الفلسطينية في قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998:
تشمل أحكام هذا القانون الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية، ويتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة(السلطة الفلسطينية) حسب نظام تشكيلات الوظائف.
إن هذا القانون ضمن التساوي بالأجورلجميع الموظفين دون تمييز على أساس الجنس، كما إنه أعطى نفس الفرصة في الوظائف العليا دون تمييز، وإن كان هناك من يرى أن القانون يجب أن يضمن نسبة مشاركة للمرأة في الوظائف لا تقل عن (30%) إذا لم تكن هذه النسبة متحققة.
- بخصوص الإجازات، فمنح القانون المرأة في المادة "88" حسب النص:
1- الموظفة الحامل إجازة براتب كامل لمدة عشرة أسابيع متصلة قبل الوضع وبعدة.
2- للموظفة المرضعة الحق في الانصراف من العمل قبل انتهائه بساعة واحدة ولمدة سنة بعد تاريخ مولد الطفل، ولها الحق في إجازة بدون راتب لمدة عام لرعاية مولودها، وهو بهذا يضمن مرونة في التعاطي مع المرأة المرضع، وكذلك يعطيها فرصة للحضانة إن رغبت بذلك حتى لا تفقد عملها.
- حقوق المرأة الصحية:
1- الحق في الوصول السهل واليسير إلى الخدمات الصحية التي تحتاجها في مراحل حياتها المختلفة: (الطفولة، والمراهقة، والإنجاب، والأمان على الشيخوخة).
2- الحق في تلقي الخدمات الصحية مع احترام لخصوصية المرأة وحقها في المعرفة والاختيار، وتلقي فحص طبي دوري.
3- الحق في المشاركة الكاملة في وضع السياسات والبرامج الصحية، والإشراف على تنفيذ هذه السياسات والبرامج وتقييمها.
4- توفير الفرص المتكافئة في المجال الصحي لتلقي التدريب والمشاركة في الدورات المختلفة.
ونخلص إلى أنه من الضروري التركيز على الحقوق التالية للمرأة الفلسطينية:
1- الحق أسوة بالرجل في حصول المرأة على أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية، بغض النظر عن وضعها الطبقي أو العائلي أو عمرها أو مستوى تعليمها، أو أي اعتبار يتعلق بالمعتقد أو اللون.
2- الحق في أن تشمل العناية وضعها الصحي والجسمي والاجتماعي (أي الرعاية الشاملة).
3- الحق في أن تكون العناية مؤمنة ومتوفرة لجميع النساء.
4- الحق في الحصول على كل المعلومات الطبية والعلمية التي تساعدها على اتخاذ القرار.
5- الحق في أن تُعامل باحترام أثناء تلقي الرعاية الصحية.
6- الحق في التشاور في كل مراحل العلاج.
7- الحق في السرية والكتمان واحترام الخصوصية عند تلقي العلاج.
- العنف الموجه ضد المرأة:
للحديث بداية عن المرأة المعنفة، يجب أن نحدد تعريف العنف ضد المرأة بإطار من الشمولية، ونرى أن يكون تعريفنا للعنف ضد المرأة، منسجماً مع الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان، ومع كرامة الإنسان الأصيلة، التي تكفلها الدساتير والقوانين، وعليه نجد أن أكثر تعريف ينسجم مع ذلك، ويحقق لنا الغرض المنشود يكمن في المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامة رقم 48/104 والتي عرفته على النحو التالي:
العنف ضد المرأة: أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
- طموح المرأة الفلسطينية لتمكينها من حقوقها المشروعة:
إن المجتمع الفلسطيني في الحقيقة يعيش في مرحلة متوترة، ولعلنا نلاحظ أن نبرة العنف ضد المرأة، أصبحت عالية جداً ومتصاعدة. ولوضع الأمور في سياقها الأكبر والخروج من التحديات والصعاب المعقدة أمام المرأة الفلسطينية، خصوصاً إن سلة العنف بدأت تمتلئ وطوال الوقت يُلقى منها نتائج سيئة، فما هو المخرج من هذا كله؟! لذا تكمن أمام المرأة الفلسطينية في إطار طموحها نحو تمكينها من حقوقها، هو النظر بواقع ثاقب لتعزيز القانون الذي يحمي المرأة الفلسطينية، ومن هذا المنطلق، فإن للمرأة الطموحة لتحقيق الأهداف التالية:
1- من أجل تمكين المرأة من حقوقها، لا بد أن تتعاظم مشاركة المرأة في الحياة العامة بقوة الدستور والقانون، وأن يدخل في ذلك التفكير الجاد في تعديل الدستور، بما يضمن تمثيلاً عادلاً للمرأة في كل المجالس الشعبية والمنتخبة.
2- تعزيز أهداف الجمعيات والتنظيمات النسائية الأهلية؛ فهذه ليست قادرةعلى حماية منجزات المرأة فحسب، وإنما تكفل تنمية هذه المنجزات أيضاً.
3- تنمية برامج التعليم والإعلام عن القيم المناهضة للمرأة.
4- توسيع حرية الاختيار للمرأة، فلابد أن يكفل لها هامش واسع من حرية الاختيار سواء في التعليم والعمل، أو المشاركة الحكومية والأهلية، أو في الصحة الإنجابية و تنظيم الأسرة؛ فهذه الحرية إلى جانب حرية الحركة والتنظيم هي التي ستكفل تمكين المرأة وتقويتها على المدى الآني والمستقبلي.
5- تقييم النظام القضائي والتشريعي في مجال تجريم العنف ضد النساء، ففي المجتمع العربي الفلسطيني قد يتطلب الأمر مراجعة التشريعات المتعلقة بالجرائم ضد أفراد الأسرة وكيانها وأخلاقياتها في إطار ما يشهده المجتمع من تطور، وكذلك استرشاداً بالاتفاقيات الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي تنسجم مع الشريعة الإسلامية والتي تمنع العنف ضد المرأة والطفل.
6- توظيف أساليب العمل الاجتماعي المهني وإنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية في المؤسسات التي مهمتها النظر في حوادث العنف: (كمراكز الشرطة، والمستشفيات،... وغيرها)، على أن تعطى لها صلاحيات الضبط القضائي.
- الخاتمة:
بعد كل هذا العرض، نرى أن النسق القانوني والبنية التشريعية التي وفرتها القوانين الفلسطينية تشكل أرضية جيدة نحو المشاركة والتغيير. وبالنسبة للمرأة، فالمحصلة العامة للتشريعات، ايجابية ومنصفة فيما يتعلق بالحقوق والمواطنة والشخصية القانونية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة أمام القانون، في ميادين العمل والتعليم والوظائف؛ لكن ما يسترعي الانتباه أنه ليس بمجرد إقرار القانون أو التشريع، تصبح الطريق أمامه ممهدة للتطبيق؛ فالعادات والتقاليد، والثقافة الذكورية، والنظرة التقليدية للمرأة ودورها، كلها هذه عوامل معيقة ولازالت هي السائدة،؛الأمر الذي يعني أن جهداً كبيراً ينتظر القوى المجتمعية المساندة لهذه القوانين من أجل سيادتها في واقع الحياة الثقافية والسلوك، وهذا الأمر من المفترض أن يتم برؤية تاريخية وببعد مبرمج ومحدد المدى.
إعداد:
* أمجد فضل زيدات/ مساعد قانوني – وزارة شؤون المرأة.